التاريخ: 2019-08-31 08:39:34
هجرة الرسول
اشتدّت قريش بأذاها وتعذيبها للمسلمين، واشتدت بمحاربتها للرسول عليه الصلاة والسلام؛ حيث عادته بأشد أنواع العداء، وعذت أتباعه من المسلمين الضعفاء، وبعد أن آمن بالرسول عليه الصلاة والسلام أقوامٌ من يثرب، قرر أن يهاجر إليها، وقد بدأت فعلياً هجرة المسلمين بعد بيعة العقبة الثانية؛ حيث أذن الرسول عليه الصلاة والسلام للمسلمين أن يتركوا مكة التي ظلمتهم، وعذبتهم، ويهاجروا إلى يثرب، ولم يستطع جميع المسلمين الهجرة نتيجةً لمحاولة قريش منعهم من ذلك؛ حيث كانوا يتبعونهم، ويحبسوهم، ولكن استطاع من تبقى من المسلمين أن يتركوا قريشاً. أمر الرّسول عليه الصلاة والسلام المسلمين الموجودين في الحبشة أن يهاجروا ليثرب أيضاً، وهكذا لم يبق في مكة إلّا المسلمين المحبوسين، والرسول عليه الصلاة والسلام، وأبو بكر رضي الله عنه، وعلي بن أبي طالب رضي الله؛ حيث جهزوا جهازهم، وانتظروا الرسول عليه الصلاة والسلام أن يؤذن له بالهجرة، فكيف كانت هجرته عليه الصلاة والسلام؟
كيفية هجرة الرسول عليه الصلاة والسلام
الإجماع على قتل الرسول
-
عقدت جميع قبائل قريش اجتماعاً عظيماً، قرّروا فيه القضاء على الرسول عليه الصلاة والسلام، وقد تداولوا خلال هذا الاجتماع عدة اقتراحات من ضمنها نفي الرسول عليه الصلاة والسلام، ومنعه من العودة إلى مكة، ولكن هذا الاقتراح تمّ رفضه لخوفهم من حسن حديث الرسول، وسلامة منطقه، وخوفهم من استحواذه على قلوب العرب، وبالتالي كثرة أتباعه، ومنهم من اقترح حبسه، أمّا الاقتراح الثالث فكان قتله عليه الصلاة والسلام من قِبَل عدة شبان من كل قبيلة في قريش حتى يتوزع دمه على قبائل قريش، ولا يستطع بنو هاشم الثأر له، وعلى هذا الأمر تم الاتفاق.
-
أوحى الله عز وجل للنبي عليه الصلاة والسلام بواسطة جبريل عليه السلام أن يهاجر في هذه الليلة التي قرروا قتله فيها، كما طلب منه أن لا ينام في فراشه، وذهب الرسول عليه الصلاة والسلام إلى أبي بكر رضي الله عنه لترتيب أمور الهجرة؛ حيث وضعوا خطة الهجرة، وعاد الرسول لبيته ينتظر مجيء الليل، ولم يُشعِر أحداً بأنّه مهاجر.
-
كانت قريش تنظم الأمور، وتُحدّد الشباب الذين سيطوقوا بيت الرسول عليه الصلاة والسلام، لينفذوا جريمتهم، وكان على رأسهم أبو جهل، وقد أمر الرسول عليه الصلاة والسلام ابن عمه علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن ينام مكانه، ويستخدم فراشه، وبرده، وعند مجيء الليل توجه المشركون إلى منزل الرسول عليه الصلاة والسلام وقاموا بتطويقه، حتّى إذا خرج الرسول عليه الصلاة والسلام، انقضوا عليه وقاموا بقتله، بطعنة واحدة، من خلال جميع سيوفهم.
-
في الليل خرج الرسول عليه الصلاة والسلام بنصرة من الله عزّ وجل؛ حيث اخترق صفوفهم، وأخذ حفنةً من التراب ووضعها على رؤوسهم، فقد أخذ الله عز وجل أبصارهم في تلك اللحظة، فلم يلحظوا خروج النبي من بيته، ثمّ اتجه إلى بيت أبي بكر رضي الله عنه، وخرجا سوياً إلى غار ثور.
-
توجه أحد الرجال إلى المشركين الذين كانوا ينتظرون خروج الرسول عليه الصلاة والسلام، فأخبرهم بأنه قد خرج وذرّ على رؤوسهم التراب، فنظروا من خلال فتحات الباب فوجدوا بأن هناك شخصاً نائماً مكان الرسول، وظنّوا أنه هو، فدخلوا عليه فتبين لهم بأنه علي رضي الله عنه قد فداه بنفسه.
الخروج من مكة والمكوث في غار ثور
-
خرج الرسول عليه الصلاة والسلام من بيته في ليلة السابع والعشرين من شهر صفر لعام أربعة عشر للبعث، وكانت خطة الذهاب إلى المدينة هي سلوك الطريق المضاد، وليس الطريق المعتاد إليها؛ حيث اضطرّوا لسلوك طريق وعرة، وصعدوا إلى جبل ثور، واختبؤوا في غار ثور.
-
قبل دخولهما للغار دخل أبو بكر قبله، وسدّ الثقوب الموجودة في الغار، وبقي شقان سدهما برجليه، وبعدها طلب من الرّسول عليه الصلاة والسلام الدخول، وفور دخوله نام عليه الصلاة والسلام؛ حيث وضع رأسه في حجر أبي بكر، ودام بقاؤهما في الغار ثلاث ليالٍ، وقد كان عبد الله بن أبي بكر يبيت لديهم في الليل، ثم عند النهار يعود إلى مكة، وكأنّه بات في مكة، وكان يُخبر الرسول عليه الصلاة والسلام بما يكيد به قريش.
-
قامت قريش بضرب علي رضي الله عنه، وحبسه، ولكنهم لم يحصلوا على أية معلومة منه، وذهب أبو جهل إلى منزل أبي بكر وسأل عنه، فأجابته أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها بأنها لا تعرف أين ذهب، فقام بلطمها، وبعدها حاولت قريش اللحاق بالرسول، وبأبي بكر من جميع الوجهات، ووضعوا جائزةً قدرها مائة ناقة للشخص الذي يدل عليهما ويعيدهما لقريش.
-
انطلق الفرسان باحثين عن آثار الرسول عليه الصلاة والسلام ولكن دون جدوى، وقد وصولوا إلى الغار ولكنّ الله عمى أبصارهم، وقال النبي لأبي بكر: "ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما"، وبعدها هدأت الأمور وقرر الرسول عليه الصلاة والسلام الخروج من الغار متجهاً إلى المدينة، وقد كان قد استأجر شخص يُدعى عبد الله بن أريقط الليثي، ليدلّهما على الطريق، وكان الموعد المتفق عليه هو بعد مرور ثلاث ليالٍ من خروجهما من الغار، وقد أحضرت لهما أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها مؤونة السفر، ثم سار بهما طريقاً غير معروف.
الطريق إلى المدينة المنورة
-
استطاع أحد الأشخاص اللحاق بالرسول عليه الصلاة والسلام، وهو سراقة بن مالك، وفور رؤيته للرسول عليه الصلاة والسلام وأبي بكر رضي عنه عثرت به فرسه، ولم يستطع التقدّم بها خطوةً واحدة، وحاول مع فرسه إلّا أنّه لم ينجح، عندها أعطاهما الأمان، وعرف أن الله سينصره، ووعده الرسول عليه الصلاة والسلام بأنّ الله سينصر المسلمين بالفتح وهزيمة الفرس، وبأنه سيلبس تاج وسوار كسرى، وهذا ما حصل في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، حين هزم المسلمون الفرس، فطَلَب عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يُحضروا سراقة وألبسه سوار وتاج كسرى.
-
في اليوم الثامن من شهر ربيع الأول نزلا في منطقة قباء، وأقاما فيها أربعة أيام، وهناك قام الرسول عليه الصلاة والسلام بتأسيس مسجد قباء، حيث صلى فيه، وهو يُعد أول مسجد بُني في الإسلام، ثم أرسل الرسول عليه الصلاة والسلام لبني النجار وهم أخواله، واجتمعوا حوله، وتوجه بعدها للمدينة.
الدخول إلى المدينة المنورة
-
دخل الرسول عليه الصلاة والسلام المدينة، والتي كانت تُسمى يثرب؛ حيث أطلق عليها اسم مدينة الرسول، وكان يوماً عظيماً ارتجت فيه بيوت الناس، وعلت الأصوات بالحمد والتسبيح، وبأنشودة طلع البدر علينا.
-
تكاثر الناس على الرسول عليه الصلاة والسلام، وطلبوا منه أن ينزل في بيوتهم، ولكنه طلب منهم تخلية سبيل ناقته، فالمكان الذي ستبرك فيه الناقة سيكون هو منزله ومسجده، وكان المكان في بني النجار، وهم أخوال الرسول عليه الصلاة والسلام، وذلك كله بتوفيق من الله عز وجله، فقد أحب الرسول أن ينزل عند أخواله، ليكرمهم بذلك، وجاءت مشيئة ربّ العالمين بتحقيق رغبة الرسول.
-
بعد أن وصل بعدّة أيام وصلت زوجة الرسول عليه الصلاة والسلام سودة، وابنتاه فاطمة، وأم كلثوم، والصحابي أسامة بن زيد، وزوجته عائشة رضي الله عنها، وبعد أن مكث الرسول عليه الصلاة والسلام في المدينة بدأت مرحلة التأسيس، وبناء المجتمع، والجهاد في سبيل الله، وتعددت الغزوات، والمعارك في هذه المرحلة، حتّى حصلت غزوة فتح مكة، وجاء النصر العظيم، ودخل الناس في دين الله أفواجاً.