التاريخ: 2021-01-10 12:45:21

القتل

يُعرّف القتل لغةً على أنه إزهاق روح الإنسان، أو إماتته، أو الفتك به، أو ذبحه، ومن الجدير بالذكر أن الإسلام حفظ النفس البشرية من العدوان، حيث إن الغاية من أحكام الشريعة الإسلامية حفظ الضرورات الخمس، وهي حفظ الدين، وحفظ النفس، والنسل، والعقل، والمال، ولأن حفظ الدين مقدم على حفظ النفس؛ شُرع الجهاد في سبيل الله الذي من الممكن أن تُزهق فيه أرواح المسلمين في سبيل إعلاء كلمة الله -تعالى- والدفاع عن الإسلام، ومن أجل حفظ النفس حرّم الله -تعالى- قتل النفس المسلمة بغير حق، وشُرع القصاص من القاتل، فقد قال عز وجل: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، ورُوي عن رسول الله- صلى لله عليه وسلم- أنه قال: (لا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، يَشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأَنِّي رَسولُ اللهِ، إلَّا بإحْدَى ثَلاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي، والنَّفْسُ بالنَّفْسِ، والتَّارِكُ لِدِينِهِ المُفارِقُ لِلْجَماعَةِ).

وتجدر الإشارة إلى أن جريمة قتل المؤمن من أبشع الجرائم، وأكبر الكبائر، وأفظع الذنوب في الإسلام، وقد توعّد الله -تعالى- من يقتل مؤمناً متعمداً بالغضب، والعذاب العظيم، والطرد من رحمته، والخلود في نار جهنم، حيث قال: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا)،وقد رُويت الكثير من الأحاديث التي حذّر فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من العدوان على نفس المؤمن، ومنها قوله عليه الصلاة والسلام: (لَزَوالُ الدنيا أهونُ على اللهِ مِنْ قتلِ مؤمِنٍ بغيرِ حقٍّ)، ولم يقتصر الوعيد بالعقوبة على القاتل فحسب، بل شمل كل من كان حاضراً للقتل وكان يستطيع منعه أو الحيلولة دون وقوعه ولم يفعل، أو شجّع القاتل على القتل، أو أعانه على ذلك، مصداقاً لما رُوي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (لو أنَّ أهلَ السماءِ والأرضِ اشتركوا في دمِ مؤْمِنٍ لكبَّهم اللهُ عزَّ وجلَّ في النارِ).

أنواع القتل

ينقسم القتل إلى ثلاثة أنواع، وهي: القتل العمد، والقتل شبه العمد، والقتل الخطأ، ويتم التفريق بين كل نوع من أنواع القتل بالاعتماد على قصد القاتل، ونوع الأداة المستخدمة للقتل، ويترتب على كل نوع من أنواع القتل أحكاماً شرعيةً خاصةً به، وفيما يأتي بيان كل نوع وما يترتب عليه من الأحكام.

القتل العمد

يُعرّف القتل العمد على أنه قصد الجاني قتل آدمياً معصوماً باستخدام أداة يغلُب على الظن موته بسببها، وللقتل العمد صور عديدة منها: أن يقوم القاتل بجرح المقتول بأداة لها نفوذ في بدنه كالسكين، أو الحربة، أو البندقية، أو غيرها، فيموت بسبب ذلك، أو يقوم بضربه بأداة لها وزن ثقيل، كحجر كبير، أو عصاً غليظة، أو دهْسه بسيارة فيموت بسببها، أو يلقيه في مكان لا يمكنه التخلص منه، كأن يلقيه في نار تحرقه، أو ماء يُغرقه، أو سجن ويمنع عنه الطعام والماء إلى أن يموت، أو يخنقه بحبل، أو يسقيه سماً، أو يشهد عليه رجلان بما يوجب قتله ثم يعترفا أنهما قتلاه عمداً.

وينبغي الإشارة إلى أن القتل العمد من أعظم الكبائر، ويوجب العقاب في الدنيا والآخرة، وعقاب القاتل العمد في الدنيا القصاص، أي قتله، ولكن يرجع الأمر إلى ولي المقتول حيث يختار بين أن يقتص من القاتل، أو أن يأخذ الدية، أو أن يعفو عنه، مصداقاً لما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (مَن قُتِلَ له قَتِيلٌ فَهو بخَيْرِ النَّظَرَيْنِ: إمَّا أنْ يُفْدَى، وإمَّا أنْ يُقْتَلَ)،وتجدر الإشارة إلى أن في القصاص شروط لا بُد من توفرها، وهي:

عصمة المقتول: والمعصومون أربعة أصناف وهم: المسلم، والذمّي، والمُستأمن، والمعاهد.

البلوغ والعقل والعمد للقاتل: إذ لا قصاص على المجنون، أو الصغير، أو المخطىء، ولكن تجب عليهم الدية.

اتفاق الأولياء: إذ لا بُد من إجماع أولياء المقتول على القصاص من القاتل، وفي حال عفى أحدهم سقط القصاص.

التكافؤ بين القاتل والمقتول: ويكون ذلك بأن يساويه في الدين، فلا يُقتل مسلم بكافر، ولكن يُقتل الكافر بالمسلم.

القتل شبه العمد

عرّف أهل العلم القتل شبه العمد بعدة تعريفات، حيث عرفه الحنابلة، والشافعية، ومحمد بن الحسن، وأبو يوسف على أنه قصد ضرب المقتول عدواناً بما لا يقتل غالباً كالعصا، أو السوط، بينما عرّفه الإمام أبو حنيفة -رحمه الله- على أنه تعمد شخص ضرب الآخر بما ليس بسلاح ولا يجري مجرى السلاح، ومن الجدير بالذكر أن القتل شبه العمد حرام شرعاً، لأنه نتيجة اعتداء وعدوان، والعدوان محرم، مصداقاً لقول الله تعالى: (وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)، فيُوجب القتل شبه العمد على القاتل الإثم، والكفارة، والحرمان من الميراث، والدية المغلظة على العاقلة، مصداقاً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا وإنَّ قتيلَ الخطإِ شبهِ العمدِ بالسوطِ والعصا مائةٌ منَ الإبلِ، أربعونَ في بطونها أولادُها).

وذكر أهل العلم العديد من صور القتل شبه العمد، حيث ذكر الحنابلة منها أن يقصد القاتل ضرب المقتول عدواناً بما لا يقتل غالباً كخشبة صغيرة، أو حجر صغير، أو أن يقصد ضربه تأديباً فيسرف في الضرب مما يؤدي إلى القتل، وذكر أبوحنيفة أن يضرب القاتل المقتول بالسوط الصغير ويوالي بالضرب إلى أن يموت، أو أن يقصد قتله بأداة يغلب فيها الهلاك، ولكنها ليس بجارحة ولا طاعنة، كالحجر الكبير، ومدقّة القصّارين، والعصا الكبيرة.

القتل الخطأ

يُعرّف القتل الخطأ على أنه قيام الإنسان بما يحق له فعله فيؤدي ذلك إلى وفاة إنسان معصوم، ومن صور القتل الخطأ حوادث السير، وحوادث الدهس غير المتعمد، أو وفاة إنسان بسبب سقوطه في حفرة حفرها شخص أخر، أو أن يرمي الإنسان ما يظنه صيداً فيصيب إنساناً معصوماً فيقتله، ويجب في حالة القتل الخطأ الدية والكفارة، مصداقاً لقول الله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً ۚ وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ إِلَّا أَن يَصَّدَّقُوا)،وتجب الدية على عاقلة القاتل وهم عصابته كلهم من النسب والولاء، القريب منهم والبعيد، والحاضر، والغائب، وتشمل أبناء الجاني وإن نزلوا، وآبائه وإن علوا.