التاريخ: 2023-04-30 09:38:33

 

عميد / فتحي مخامرة

 

بعد النبش في الذاكرة اللغوية وأمهات الكتب وأسفار الأدب العربي وقواميس اللغة لم يعثر على أصل كلمة تفحيط، ولكن وجدت كلمة تحوي على بعض حروفها، وفيها جزء من المراد، وهي كلمة حطط من الحط، وهو الوضع، مع هذا بقي المدلول بعيدا عن هذا التفسير، ولكن القريب لكلمة التفحيط الدارجة في المجتمعات العربية وفي فلسطين تشير إلى كلمة حطحط، بمعنى انحط وأسرع وحطت في سيرها وأسرعت، ولكن المعنى المدلول والقريب من التفحيط والذي يجب ان يستخدم كلمة (التقحيص) يقال قحص ومحص أي مر مروراً سريعاً عن (لسان العرب لابن منظور) .

 

 ظاهرة التفحيط موجودة منذ الثمانينيات في الدول المجاورة والدول العربية وخصوصاً السعودية ودول الخليج العربي وهي مستمرة بقوة حتى اليوم، وتعتبر أكثر ظاهرة تثير جدلاً واسعاً في المجتمع الفلسطيني، وقد تعدى الأمر الإطار المحلي ووصل للقنوات العالمية، التي تنقل بعض اللقطات الخطيرة للحركات التي يمارسها المفحطون في الطرقات والشوارع والساحات العامة، هذا وقد ذهب علماء النفس لتفسير هذا الشذوذ في القيادة بأنه سلوك عدواني له دوافعه النفسية مثل حب الظهور والبروز وجلب الانتباه ولم يصنف ابداً ضمن الهوايات الرياضية لما فيها من مخاطر تحدق بالمفحط نفسه والآخرين.

 

  ويقول متابعون إن التفحيط من السلوكيات السلبية التي انتشرت في المجتمع في الفترة الأخيرة، حيث يقوم الشباب بالتسابق في قيادة المركبات بسرعة جنونية وغير منتظمة، بغرض استعراض مهاراتهم على القيادة واستعراض قوة المركبة، ويقوم بهذه المغامرة الكثير من الشباب الذين يقامرون بأعمارهم ويستهترون في الحفاظ على حياتهم  وسلامة الآخرين،

حيث يؤدي ذلك السلوك في الكثير من الأحيان إلى موت الشباب وانتهاء أعمارهم في حوادث مؤلمة للغاية، والتي تترك الكثير من الذكريات السوداء لذويهم وأصدقائهم، أو تعرضهم لحوادث قد تبقيهم عاجزين مدى الحياة.

 

وهناك عوامل أخرى راكمتها هذه الظاهرة في هذا المقام سنوضح لكم رزمة من الأسباب وهي إقبال الشباب على هذه الظاهرة وعرض حلول لمعالجتها والحد من انتشارها لو عدنا لبواعث التفحيط ودواعيه لظهرت جملة من الدوافع التي تجعل سائق المركبة يقوم بهذا السلوك وهي: تعزيز ثقته بنفسه من خلال استعراض مهاراته في القيادة، فهو يتوق للفت الانتباه  أو حب الظهور  بين الناس والشهرة ، والسواد الأعظم من هؤلاء الأشخاص ربما عانوا من مشاكل دراسية أو عائلية، أو حتى مشاكل في البنية الجسمية، أو ربما مصابون باضطرابات اجتماعية ونفسية وسوء معاملة من الأسرة مما ينعكس عليهم  ويزيد انجذابهم للتفحيط وإقدامهم على ذلك السلوك الخطير للتعويض عن النقص الذي يعانونه في حياتهم، أو الهرولة للبحث عن بديل يستعرضون من خلاله قوتهم الجسدية وشهرتهم.

 

كما أن قيام الكثير من الشباب بالتفحيط بالمركبات يكون لشغل أوقات فراغهم، فالكثير منهم لا عمل لهم أو متأخرون وفاشلون دراسياً ولا يجدون سبيل مفيد يمارسونه في حياتهم اليومية، فيلجأ الكثير منهم إلى هذا السلوك للتسلية وقضاء الأوقات مع اصدقائهم بفعل سلوك يخرجون فيه كل طاقتهم المكبوتة.

 

لعلّ أهمّ ما في هذه السطور بأن الكثير من الشباب يسعى إلى تقليد أقرانهم وأصحابهم في تلك السلوكيات، فعندما يرى أحدهم أن صديقاً له يقوم بسلوك التفحيط ويكتسب شهرة بين باقي الأقران، فإنه يقدم هو أيضاً على ذلك السلوك لكيلا يبدو أقل منه في شيء، فيقلد الأقران بعضهم في السلوكيات المختلفة، ويتسابقون فيها بغض النظر عما اذا كانت سلوكيات صحيحة ومفيدة أو مضرة وقد تؤدي إلى الوفاة.

 

الملفت أنه هنالك ضعف للرقابة الأسرية فدورها ينتهي بعد شراء المركبة فلا يكلف رب الاسرة نفسه متابعة سلوك الابن  ومراقبته، ويعتبر هذا العامل سببا رئيسيا في ظاهرة التفحيط التي تحدث في مجتمعنا، باعتقادي أن هذه المسألة لها أبعاد جمة، فغياب الرقابة الاسرية أدى لزيادة هذه الظاهرة بشكل ملموس وخصوصاً في ساعات الليل المتأخرة، مما يسبب ازعاجاً للآمنين ، فهنالك الكثير من المرضى وكبار السن الذين يسكنون بالقرب من  الشوارع التي يستخدمها المفحطون بحاجة لراحة وهدوء، لهذا يجب أن يراعي هؤلاء الخارجين عن القانون مشاعر هؤلاء المرضى والشيوخ والأطفال وغيرهم.

 

الخلاصة سيكون ردم الهوة امتحاناً للجميع حيث  يقع على الأسرة العبء الأكبر في منع أولادهم من الخروج بالمركبات في ساعات الليل المتأخرة، ليعيثوا في الطرقات الفوضى والفساد بجانب دور المؤسسات ووسائل الإعلام التي يجب ان تخصص جزءا من برامجها في توجيه سلوك هؤلاء السائقين وصقل شخصياتهم، بما لا يؤدي في النهاية لإحداث ارباك مروري وفوضى في الشوارع، فالشرطة بحاجة لمن يساعدها في انهاء هذه الظاهرة وليس كمن يقف يشاهد وكأن الأمر لا يعنيه على الإطلاق فمن باب تعزيز دور الشرطة المجتمعية علينا جميعا أن نقف صفاً واحداً للقضاء على هذه الظاهرة المستفحلة في المجتمع الفلسطيني التي باتت تقلق الجميع، لهذا أفتى علماء المسلمين بحرمة هذه الظاهرة لما يترتب عليها من القتل للنفس البشرية، وإتلاف للأموال، والتسبب في إزعاج الآخرين، فضلا عن إعاقة حركة المارة في الطرقات.