مقال : مشاهدات و حوادث

مقال : مشاهدات و حوادث
تاريخ النشر: 2013/08/12 - 09:27 صباحا

قبل يومين وعند مغيب الشمس ، وبينما كنت اسير في مركبتي في احد الشوارع الفرعية في مدينة اريحا ، شاهدت طفلة صغيرة لم تتجاوز الثلاث سنوات تسير بمفردها تبكي وتصيح بأعلى صوتها : ماما ، بدي ماما .
أوقفت المركبة جانبا بسرعة وتوجهت نحو الطفلة التي اسرعت بدورها نحوي خائفة مرعوبة وهي تكرر جملتها السابقة مرارا ، وجلت ببصري في كافة الانحاء علي اعثر على احد يرشدني الى أم الطفلة او بيتها او اي احد من الجيران يعرفها ، ولكن الطريق كان خاليا إلا مني ومن امرأة بعيدة بعض الشيء ، فأخذت اهدىء من روع الطفلة الى حين تصلني تلك المرأة التي ظننت للوهلة الاولى انها قد تكون امها وخرجت تبحث عنها ، ولكن كان ظني في غير محله ، فعندما سألتها اذا كانت تعرف الطفلة او اهلها اجابت بالنفي وأكدت لي انها من الحي الذي نقف فيه .
لن اطيل عليكم قصة البحث عن اهل الطفلة وبيتها ، فقد استغرقني ذلك وقتا حسبته ساعة إلا انه لم يتجاوز العشر دقائق ، وقد تجمع معي عدد من الشباب والنساء اللواتي وقفن على الابواب حائرات يتساءلن من تكون هذه الطفلة ؟ و وجدنا أخيرا بيتها ، وكان يبعد عن المكان الذي وجدتها فيه مسافة لا تقل عن 200 متر ، وبعد أخذ وعطاء ونصائح بالجملة للام التي خرجت لتفتح الباب وتتفاجأ ان ابنتها معنا ، غادرت الحي وأنا اتسائل ماذا يمكن ان يحصل لهذه الطفلة التي هامت على وجهها لمدة لا تقل عن عشرين دقيقة في طريق مفتوح تكثر فيه المركبات احيانا ، ولكن الله سلَم هذه المرة .
و ما هي إلا نصف ساعة اخرى من الزمن ، وإذا برسالة عاجلة على هاتفي النقال تصلني لتخبر عن حادث دهس طفل عمره 4 سنوات في احد المدن ، فتذكرت الطفلة والتي لم اعرف اسمها حتى الان ولم احاول معرفته ، فربما خرج هذا الطفل الشهيد كما خرجت هذه الطفلة ، وربما حاول البحث عن امه او ابيه ، وربما لقي مصرعه لأسباب اخرى تحت اطارات المركبة التي لا ترى اذا عميت الابصار .
وفي مشاهدات أخرى يوميا ، لابد من وضعكم في عدد من الصور مما يجري مع اطفالنا في الطرقات ، فيوميا امرُ بالقرب من الدكاكين والبقالات ، وأشاهد وربما انكم كذلك ، اطفالا بعمر الورد ما بين 3 الى خمس سنوات ، يتركون ليذهبوا وحدهم لشراء حاجيات للبيت او اطعمة خفيفة وحلويات او ربما لعبة يلهون بها ، ويتركون للقدر والظروف والأحوال تقدر ما تشاء ، وأحيانا برعاية وعناية الهية يعودون متجاوزين كل الاخطار وسرعة المركبات وجنون واستهتار بعض السائقين ، وأحيانا اخرى قد لا يعودوا إلا محملين عل الاكتف لإلقاء النظرة الاخيرة عليهم من قبل الاهل والأحبة ، اضافة الى الاصابات والمشافي والعمليات الجراحية والإعاقات وتفاصيل وعذابات كثيرة اخرى لا مجال لذكرها .
ومن ضمن مشاهداتي لمثل هذه الحالات ، فقبل مدة ليست بالبعيدة لم يغب عن بالي ذلك الطفل الصغير ذو الاعوام الاربعة على ابعد تقدير ، وقد بعثه احد اهله ربما تكون امه او ابوه او من يجالسه في ذلك اليوم لشراء بعض الحاجيات من الدكان القريبة ، فكان يحمل ضعف وزنه من الاكياس الملونه ، وكان يتهادى محاولا ان يجمع قواه حتى لا يسقط على الارض ، وبما انه قصير القامة طبعا ، فقد كان احد الاكياس يصل الى الارض وهو يجره بين قدميه النحيلتين حيث كان يرتدي شرطا قصيرا ، فوقفت وكان يحدق بي ، ورفعت له يدي مشجعا ، فحاول المسكين ان يرد بالمثل لكنه ادرك انه لا يستطيع الى ذلك سبيلا ، ثم امسك بقميصه من الخلف صاحب الدكان ليوصله الى بر الامان الى الجهة الأخرى من الطريق .
انا هنا لا احمل الاهل المسؤولية الكاملة عن حوادث الطرق والدهس التي ازدادت مؤخرا ، والتي نسمع عنها يوميا في كافة وساءل الاعلام ، فلا يكاد يمضي يوم إلا وهناك حادث دهس يذهب ضحيته الاطفال على وجه الخصوص ، ولكن إن من يترك طفله ليواجه الموت فبالتأكيد يتحمل جزء كبير من المسؤولية ، وهناك مسؤولية تقع على عاتق السائقين والجهات الاخرى .
ومن هنا اقول للجميع : انتبهوا ، حوادث الدهس في تزايد ، و ضحيتها الاطفال على الاغلب ، فكم من مشاهدات مرت وتمر علينا يوميا دون ان نلقي لها بالا وكأن الامر اعتيادي .. ولكن هذه التصرفات وهذا السلوك ليس عاديا ، بل يجب علينا ان نبدأ التغيير والانتباه جيدا لأطفالنا قبل ان نلوم غيرنا .. ونسال الله ان يحفظ فلذات اكبادنا .. آ مين

نقيب / اياد دراغمة :


جميع التعليقات تعبر عن وجهة نظر اصحابها وليس عن وجهة نظر الشرطة الفلسطينية

حالة الطقس

أسعار العملات
29 مارس 2024
العملة
بيع

المناسبات الاجتماعية

تابعنا على فيسبوك

تابعنا على تويتر